تقرير عن العلاج بالفن في دار رعاية المسنين "إميلي دو رودات" في رويل مالميزون، فرنسا. تؤوي هذه الدار مرضى الزهايمر والخرف المرتبط به

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، العلاج بالفن في دار رعاية المسنين "إميلي دو رودات" في رويل مالميزون، فرنسا حيث تؤوي مرضى الزهايمر والخرف المرتبط به

يُعَدّ مرض الزهايمر أكثر أنواع الخرف شيوعاً، وهو اضطراب عصبي تنكّسي يتسم بالتراجع التدريجي في الذاكرة والتفكير والقدرات السلوكية، وغالباً ما يتطور المرض ببطء على مدى سنوات طويلة، بحيث لا تكون أعراضه واضحة في بدايته، إذ قد تختلط بمؤشرات أمراض أخرى مثل الاكتئاب أو القلق أو حتى الشيخوخة الطبيعية.

وتشير التقديرات الصادرة عن "جمعية الزهايمر" في بريطانيا إلى أن نحو 850 ألف شخص هناك مصابون بالخرف، غالبيتهم بمرض الزهايمر، بينما يتجاوز عدد المصابين عالمياً 55 مليون شخص وفق بيانات منظمة الصحة العالمية.

ويحذر الخبراء من أن عبء الزهايمر يتزايد عالمياً بشكل كبير مع ارتفاع معدلات الشيخوخة، حيث يُتوقع أن يتضاعف عدد المصابين ثلاث مرات تقريباً بحلول عام 2050.

هذا ما يجعل من التشخيص المبكر، والتوعية المجتمعية، وتطوير العلاجات الفعالة، قضايا محورية في الجهود الطبية والبحثية لمواجهة هذا المرض المعقّد.

كيف يمكنك اكتشاف علامات الإصابة بالمرض؟

لا يُعَدّ مرض الزهايمر مجرد نسيان عابر لتفاصيل يومية كأماكن الأشياء أو أسماء بعض الأشخاص، وهي أمور شائعة في سياق الشيخوخة الطبيعية، بل إن الزهايمر يتميز بخلل أعمق وأكثر خطورة في الذاكرة والوظائف المعرفية، حيث يُعَدّ فقدان الذاكرة أحد أبرز علاماته المبكرة وأكثرها وضوحاً.

وتشير دراسات طبية منشورة في "المعهد الوطني الأميركي للشيخوخة" و"جمعية الزهايمر" إلى أن الزهايمر يؤثر أولاً في الذاكرة قصيرة المدى، فيجد المريض صعوبة في تذكر ما قام به قبل دقائق، أو يُعيد طرح الأسئلة نفسها مرات متكررة، أو ينسى أحداثاً وقعت مؤخراً.

هذا الاضطراب يتجاوز حدود النسيان المعتاد، إذ يمكن أن يؤدي إلى عجز عن إتمام مهام يومية بسيطة مثل اتباع وصفة للطهي أو استخدام بطاقة مصرفية.

ومع تفاقم المرض، تمتد الأعراض إلى اضطراب اللغة والانتباه والتفكير المنطقي، ثم لاحقاً إلى تراجع القدرة على الاستقلالية في الحياة اليومية.

وتؤكد الأبحاث أن هذه التغيرات مرتبطة بتلف تدريجي في مناطق الدماغ المسؤولة عن التعلم والذاكرة، نتيجة تراكم بروتينات غير طبيعية.

وبينما يُعتبر النسيان الجزئي جزءاً طبيعياً من التقدم في العمر، فإن التمييز بينه وبين العلامات المبكرة لمرض الزهايمر يمثل تحدياً أساسياً للأطباء والأسر على حد سواء، ويشكّل مفتاحاً للتشخيص المبكر والتدخل العلاجي المناسب.

صُنع كوب من الشاي

كارولين ليسينج، مساعدة المكتبة، تُحضّر كوباً من الشاي لنفسها خلال فعالية شاي دوانتاون آبي، حيث نوقشت رواية "الزواج من لورد إنجليزي" للكاتبة جايل ماكول، في مكتبة رينسيلير العامة، يوم الأربعاء، 8 فبراير/شباط 2017

صدر الصورة، Getty Images

قد تكشف المهام اليومية الصغيرة عن العلامات المبكرة لمرض الزهايمر فإعداد كوب من الشاي، وهو نشاط روتيني لا يحتاج عادةً إلى جهد ذهني كبير، يمكن أن يتحول إلى تحدٍ حقيقي.

إذ يجد المصاب نفسه في حيرة من ترتيب الخطوات البسيطة، أو يتوقف في منتصف المهمة غير قادر على تذكر ما تبقى.

غالباً ما تكون هذه التغييرات بسيطة ولا يمكن ملاحظتها في البداية، لكنها قد تصبح شديدة بما يكفي للتأثير على الحياة اليومية.

وقد يلاحظ الشخص أو أفراد عائلته صعوبات متكررة مثل الارتباك أثناء استخدام الهاتف، أو نسيان تناول الأدوية بانتظام.

ومع مرور الوقت، قد يمتد الأمر إلى مشكلات في الكلام واللغة، مثل صعوبة إيجاد الكلمات المناسبة أثناء الحديث.

لماذا أنا هنا؟

تتجول إحدى السكان في أرجاء قرية لانديس، وهي قرية رعاية سكنية للأشخاص الذين يعانون من مراحل مختلفة من الخرف، حيث تُشجع على الشعور بالاستقلالية والإنجاز، في داكس، فرنسا، يوم الاثنين، 24 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

صدر الصورة، Getty Images

من العلامات المبكرة الأخرى لمرض الزهايمر أن يسأل المريض نفسه باستمرار: "لماذا أنا هنا؟"، إذ يشعر بتوتر وارتباك حول المكان الذي يوجد فيه أو السبب الذي أتى به إليه.

هذا الارتباك قد يظهر بوضوح في البيئات غير المألوفة، لكن المقلق أنه قد يمتد حتى إلى المنزل، حيث يمكن أن يصعد الشخص إلى الطابق العلوي أو يدخل غرفة اعتادها لسنوات، ثم يفقد القدرة على التعرف عليها.

ويشرح خبراء المعهد الوطني الأميركي للشيخوخة أن هذا العرض يرتبط بتراجع قدرة الدماغ على معالجة الإشارات المكانية والزمنية، وهو ما يجعل المصاب يضيع بسهولة أو لا يتذكر كيف وصل إلى موقع معين.

ولا يتوقف الأمر عند المكان فقط، بل يمتد إلى الزمن، إذ قد يواجه المريض صعوبة في معرفة اليوم أو الشهر أو حتى الفصل من السنة.

تغير في المزاج

لا تقتصر العلامات المبكرة لمرض الزهايمر على فقدان الذاكرة أو الارتباك المكاني، بل تمتد لتشمل تغيرات ملحوظة في المزاج والسلوك، ويصبح الشخص أكثر عرضة للشعور بالضيق أو الاستياء من مواقف بسيطة، ويميل إلى الإحباط بسرعة، أو حتى يفقد شيئاً من ثقته بنفسه.

ويشير خبراء جمعية الزهايمر إلى أن هذه التغيرات تعود إلى تأثير المرض على مناطق الدماغ المرتبطة بالتحكم العاطفي، وهو ما يفسر ظهور حالات من القلق والاهتياج، إلى جانب فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية التي كانت مألوفة ومحببة من قبل.

ومع الوقت قد يصبح المريض أقل مرونة وأكثر تردداً في تجربة أشياء جديدة.

تسهم الأبحاث المتعلقة بمرض ألزهايمر في تحسين النظرة المستقبلية لمرضى الخرف

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، تسهم الأبحاث المتعلقة بمرض ألزهايمر في تحسين النظرة المستقبلية لمرضى الخرف

معظم الناس يعرفون أن هناك خطأ ما

تقول كاثرين سميث، من جمعية الزهايمر، إن الخرف "ليس جزءاً طبيعياً من الشيخوخة، إنه مرض في الدماغ"، ولا يؤثر فقط على كبار السن فأكثر من 40 ألف شخص تحت سن 65 يعانون من الخرف في بريطانيا.

وتوضح أن تجربة الجميع مختلفة ولا يوجد نوعان من الخرف متشابهان، لكن معظم الناس يدركون متى يكون هناك خطأ ما، ولن يحصلوا على الدعم الذي يحتاجونه ما لم يذهبوا إلى الطبيب.

وتقول كاثرين سميث :"من الممكن العيش بشكل جيد مع الخرف لسنوات عديدة والتشخيص لا يغير طبيعة الشخص على الفور".

لكنها تدرك أن وصمة تشخيص مرض الزهايمر تعني أن الكثير من الناس يشعرون بالعزلة ويُساء فهمهم إذا كشفوا عنها.