الرائحة تقود فرق الدفاع المدني لتحديد موقع جثمان المعلمة الفلسطينية غادة رباح تحت الركام
- Author, محمد محيي الدين
- Role, بي بي سي عربي - برنامج غزة اليوم
باستخدام أدوات بدائية، واصلت عائلة المعلمة الفلسطينية غادة رباح البحث عن جثمانها إلى أن قادتهم رائحة الجثة المتحللة إلى موقعها تحت الركام، فطلبوا مساعدة الدفاع المدني الغارق في كمّ كبير من الاستغاثات لانتشال المفقودين تحت أنقاض غزة.
يقول ماهر رباح، شقيق غادة، إن شقيقته قُتلت بعد قصف منزلها يوم 22 سبتمبر/أيلول 2025، موضحاً أن العائلة حاولت قبل القصف استدعاء طواقم الدفاع المدني والإسعاف والهلال الأحمر، لكن المنطقة كانت خطيرة للغاية. وقال إنّ "الاحتلال قصف المنزل مرتين؛ الأولى حين كانت غادة على قيد الحياة، والثانية بعد ساعات من استغاثاتها التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى تسوية المنزل بالأرض".
وبيّن ماهر أن شقيقته كانت تحاول طلب النجدة من تحت الأنقاض، لكن الظروف الميدانية منعت وصول فرق الإنقاذ. وبعد نزوح العائلة إلى الجنوب، عاد لاحقاً إلى غزة لمساعدة الدفاع المدني في محاولة انتشالها. وقال إنّهم تمكنوا من تحديد مكانها عبر الرائحة، ثم نسّقوا مع الدفاع المدني لاستخراجها باستخدام أدوات بسيطة جداً، مشيراً إلى أن الركام والحديد صعّبا المهمة في غياب المعدات اللازمة.
ويؤكد محمود بصل، الناطق باسم الدفاع المدني في غزة، أن الطواقم حاولت التنسيق لإنقاذ غادة بعد استغاثاتها، لكن القوات الإسرائيلية قصفت المنزل مجدداً، ما أدى إلى مقتلها. وأضاف لبي بي سي أن غادة تعدّ واحدة من بين نحو عشرة آلاف جثمان ما زالت تحت أنقاض المباني في القطاع، تعجز فرق الإنقاذ عن انتشالها لغياب الإمكانات والمعدات الثقيلة.
وأوضح بصل أن المهام التي كانت تستغرق ساعة واحدة باتت تستغرق ساعات طويلة، إذ تعمل الطواقم منذ الصباح حتى المساء دون أن تتمكن من إتمام عمليات الانتشال. وأشار إلى أن الدفاع المدني يتلقى يومياً مناشدات من الأهالي لإخراج ذويهم من تحت الركام، لكن انعدام المعدات يجعل الأمر شبه مستحيل.
ووفقا لوزارة الصحة الفلسطينية إجمالي ما تم انتشاله من الجثث منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار وحتى 18 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تجاوز 400 جثماناً، معظمها من الطرقات والمناطق التي كان فيها الجيش الإسرائيلي، فيما لا تزال الغالبية تحت الأنقاض.
منار علي، خال غادة رباح، قال إن القصف وقع أثناء محاولة العائلة النزوح من المنزل، مشيراً إلى أن طائرة إسرائيلية استهدفت السائق الذي كان سيساعدهم، فأصيب وطلب من شقيق غادة، حسام رباح، إسعافه، فخرج معه اثنان من الجيران، لكنهم قُصفوا جميعاً وقتلوا.
وأضاف أن غادة كانت داخل المنزل تجهّز أغراضها للنزوح، وبقيت على تواصل مع العائلة ثلاثة أيام من تحت الركام. ورغم تواصلهم مع الصليب الأحمر ومحاولاتهم للتنسيق، لم يُسمح بدخول فرق الإنقاذ. وأوضح أن الجيش الإسرائيلي سمح بدخول الدفاع المدني بعد ثلاثة أيام من القصف الأول، في منتصف الليل، "لكنهم قصفوا المنزل مجدداً مساء اليوم نفسه، فانهار بالكامل فوقها".
وأشار منار إلى أن العائلة بدأت محاولات استخراج الجثمان على نفقتها مستخدمة جرافة خاصة، وقال: "كل العمل كان على حسابنا حتى حضر الدفاع المدني بعد أن ظهر الجثمان، فجاؤوا وساعدونا، لكننا كنا نعمل ساعات بمفردنا".
وأضاف أن "عدداً كبيراً من الجثامين لا يزال تحت المباني المدمرة في غزة، المباني مليئة بالجثامين. عدوّنا يريد إبادتنا ولا يحتمل أن يرى فلسطينياً حياً". وانتقد "تخاذل العالم بأسره"، قائلاً: "أوروبا وأمريكا والعالم يتفرجون، والأطفال يُقتلون بلا سبب سوى أنهم يعيشون في غزة".
وختم منار بالقول: "نحفر ونكسر بأيدينا وأدوات بسيطة. لو توفرت معدات قوية لانتُشلت كل الجثامين، لكن الاحتلال منع كل شيء، حتى الخبز والطعام. هدفهم تهجيرنا وقتلنا، والعالم صامت، لكننا نشكو أمرنا إلى الله، فهو حسبنا ونعم الوكيل".
ويضيف بصل أن ملف المفقودين تحت الأنقاض "معقد للغاية"، ويحتاج إلى لجان تضم الدفاع المدني وجهات أخرى، مؤكداً أن انتشال الجثامين من تحت بنايات مكونة من ست طبقات مضى عليها عام "ليس منقطياً" إلا بإزالة الركام بالكامل، وأن نقل الركام يدوياً "قد يستغرق شهوراً أو سنوات".
ودعا بصل إلى جعل الإعمار أولوية في المناطق التي توجد تحت أنقاضها جثامين، حتى تتمكن الجهات المختصة من التدخل بشكل منظم. وأوضح أن الدفاع المدني فقد 140 عنصراً وأصيب أكثر من 300 آخرين خلال عملهم، فيما دُمّرت مخازن المعدات الرئيسية بالكامل، ما زاد معاناة الطواقم التي تعمل دون ملابس حماية أو أدوات كافية.
وقد شغلت قصة المعلمة الغزّية غادة رباح حيزاً واسعاً في أحاديث الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تداول أنباء عن بقائها عالقة تحت أنقاض منزلها في حي تل الهوى غربي مدينة غزة، إثر قصف استهدف المبنى الذي كانت تقطنه مع شقيقها وأطفالها في الثاني والعشرين من سبتمبر/أيلول.
وأثارت قصتها تفاعلاً واسعاً، إذ شبّه كثيرون مصيرها بمأساة الطفلة هند رجب، التي كانت قد ناشدت فرق الهلال الأحمر الفلسطيني مطلع عام 2024 أثناء محاصرتها داخل سيارة تحيط بها المركبات العسكرية الإسرائيلية، قبل أن يُعلن مقتلها لاحقاً مع أفراد أسرتها.