صورة ظلية لامرأة ترتدي الحجاب مع أعلام الصومال والإمارات العربية المتحدة والسودان في الخلفية.

التعليق على الصورة، لم تكن النساء اللواتي تحدثنا إليهن على علم بحسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر آلاف الرسائل السياسية.
    • Author, مونغاني نغيغي
    • Role, وحدة بي بي سي العالمية لمتابعة المعلومات المضللة
    • Author, لميس الطالبي وأحمد نور
    • Role, بي بي سي تقصي الحقائق
    • Author, فردوسة هانشي
    • Role, خدمة بي بي سي الأفريقية

توصّل تحقيق أجْرته بي بي سي، إلى أن عشرات الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتحل شخصيات مؤثرة وعارضات أزياء مسلمات وصوماليات.

المرأة التي تظهر في الصورة مبتسمة، مرتدية عباءة زرقاء اللون، لها وجود على منصتَي إكس وتيك توك وفيسبوك، وتنشر دائماً محتوى عن مدى حبها لبلدها الصومال.

ولكن عندما تواصلت بي بي سي مع تلك الشخصية في الصورة - وهي مؤثرة تتحدث دوماً عن تطوير نمط الحياة - وقد فضّلت عدم ذكر اسمها - صُدمت وقالت إنها لم ترَ هذه الحسابات من قبل.

وأضافت: "هذه الشخصية ليست أنا. صوري تُستخدم، ولا يمكنني فعل أي شيء لهؤلاء الأشخاص الذين ينتحلون شخصيتي".

هي واحدة من بين عدة نساء اُستخدمت صورهن دون علمهن للترويج لدعاية مرتبطة بالصومال والسودان والإمارات العربية المتحدة. وقد حددت وحدة متابعة المعلومات المضللة التابعة للخدمة العالمية لبي بي سي، وفريق بي بي سي عربي لتقصّي الحقائق، أكثر من 100 حساب على مواقع التواصل الاجتماعي تابعة لتلك الشبكة.

ليس مِن الواضح مَن الشخص أو الجهة التي تدير العملية، لكن هناك إشادة بأنشطة الإمارات العربية المتحدة في الصومال، ويعتقد محللون أن المحتوى يتماشى مع أهداف السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

لقد أصبحت الإمارات العربية المتحدة لاعباً رئيسياً في مُتسع منطقة شرق أفريقيا، حيث يُستثمر بكثافة في قطاعات مثل الأمن لمواجهة الجماعات المتطرفة المسلحة وفي البنية التحتية البحرية على طول البحر الأحمر وخليج عدن اللذين يتمتعان بأهمية استراتيجية، حيث تقع الصومال.

ويبدو أن الملفات الشخصية لتلك الفتيات تُظهر دعماً لقوات الدعم السريع، أحد الفصائل المتحاربة في الحرب الأهلية السودانية. وكان الجيش السوداني قد اتهم الإمارات العربية المتحدة بتقديم دعم مالي وعسكري لقوات الدعم السريع، وهو ما نفته أبوظبي مراراً.

صورة تظهر فيها علامة تجذير وكتب بجوارها "مولد بالذكاء الاصطناعي" وتظهر كذلك في الصورة امرأة تبدو عليها علامات الضيق وترتدي حجاباً أحمر اللون وفي الخلفية نار مشتعلة .

صدر الصورة، Unknown / Shared on X

التعليق على الصورة، بدأت الحسابات الشخصية في مشاركة الصور التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي مثل هذه الصورة التي كانت ضمن منشورات حول الحرب في السودان.

عند استخدامنا لأدوات تحليل وسائل التواصل الاجتماعي، وجدنا أنه في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني عام 2023 وسبتمبر/أيلول عام 2025، حصد إجمالاً 47 ألف منشور على 111 حساباً على موقع إكس ما يقرب من 300 ألف إعجاب ووصل إلى أكثر من 215 مليون مستخدم.

وعادة لا يفصل بين توقيت إنشاء تلك الحسابات سوى دقائق، ويتم تبديل أسماء المستخدمين حتى لا تُكتشف، وتعتمد على الرسومات التي تم توليدها بواسطة الذكاء الاصطناعي والوسوم المتزامنة واستخدام منشورات متطابقة تقريباً بلغات متعددة، والتي يشير باحثو وسائل التواصل الاجتماعي إلى أنها علامات على سلوك منسق وغير حقيقي.

وهناك أيضاً نُسَخٌ من بعض الحسابات على منصتَي فيسبوك وتيك توك، تم إنشاؤها مؤخراً وتنشر محتوىً مشابهاً، ورغم قلة عددها، يبدو أنها تُظهر كيف يمكن تتبع الشبكة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

فمن هؤلاء؟

كانت الحسابات التي رصدناها، يقدم أصحابها أنفسهم على أنهم مواطنون صوماليون أو على الأقل مقيمون في البلاد، ويُخصص جزء كبير من محتواها لامتداح الحكومة الصومالية والاحتفال بإنجازات الجيش. كما تمتدح منشوراتهم جمال الطبيعة الصومالية وشعبها ومدنها.

وقد استخدمت الحسابات أسماء عشائر صومالية مثل إسحاق، وأوغادين وأغوران ودير وديغيل ودارود وأكيشو كألقاب لهم، ربما للمساعدة في إقناع الجمهور الصومالي بأن تلك الحسابات حقيقية.

امرأة ترتدي حجاباً أبيض وفستاناً  يمزج بين اللونين الأبيض والأزرق من أعلام الصومال، بينما  تسير بجوار القوارب الراسية على شاطئ البحر.

صدر الصورة، Reuters

التعليق على الصورة، يحتفي العديد من منشورات تلك الحسابات بالصومال وشعبه.

وقد تمكنت بي بي سي باستخدام تقنية البحث العكسي عن الصور، من تحديد الأشخاص الحقيقيين الذين يظهرون في بعض الصور، ووجدنا أن الصور تعود إلى عارضات أزياء مؤثرات شهيرات.

وقد أبلغنا إحدى الفائزات السابقات في مسابقة ملكات الجمال، أن حساباً على فيسبوك، يضم صورتها كان ينشر محتوىً يروّج للحكومة الصومالية وجيشها.

وقالت إنها لا تستخدم فيسبوك وليس لها علاقة بالحساب الذي يستخدم صورتها.

كان الحساب نشطاً تحت اسم "حليمة"، ثم غُيّر إلى اسم موقع إخباري، ينشر أخباراً مُعظمها إيجابية عن الصومال باللغة العربية. وقالت شركة ميتا إنها تُقيم الحساب لارتكابه سلوكاً زائفاً.

وأكدت أربع نساء أخريات أن صورهن اُستخدمت من دون علمهن.

قالت والدة إحدى تلك النساء إن ابنتها لا تملك حساباً على موقع إكس، ولم تكن تعلم أن صور ابنتها تُستخدم من قِبل آخرين. وأضافت أن ابنتها ليس لها صلة بالشبكة، وليست مهتمة بالسياسة.

وأخبرتنا إحدى المؤثرات التي تُعنى بالجمال، وهي مقيمة في الولايات المتحدة وقد اُستخدمت صورتها في أحد الحسابات على تيك توك، من خلال مديرها أنهم لم يكونوا على علم باستغلال صورتها وأنهم منزعجون من استخدام صورها.

وقال متحدث باسم منصة تيك توك، إن الحساب الذي ينتحل شخصية المؤثرة تم التحقيق فيه وحذفه، إلى جانب عدد من الحسابات الأخرى لانتهاك سياسات عمليات التأثير السرّي للمنصة.

كما قالت شركة تيك توك إن منصتها لا تسمح بسلوكيات الحسابات التي قد تضلل المستخدمين بما في ذلك عمليات التأثير السرّية وتشغيل حسابات تنتحل شخصيات الآخرين.

وأضافت الشركة: "نحن متيقظون للغاية ضد محاولات تقويض التفاعلات الحقيقية على تيك توك، ولدينا فرق تعمل بدوام كامل لتعطيل السلوكيات الخادعة".

وقال مارك أوين جونز، الخبير في شؤون التضليل الإعلامي والمقيم في جامعة نورث وسترن في قطر، والذي سبق أن حقّق في حملات تضليل إعلامي مشابهة قادمة من الشرق الأوسط، إن هذه الحسابات هي بالتأكيد "دُمى إلكترونية" وتشكّل جزءاً من شبكة أكبر.

وحسابات "الدُمى الإلكترونية" هي هويات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي تم إنشاؤها للترويج لوجهة نظر معينة، أو للتلاعب بالرأي العام مع إخفاء الأفراد الحقيقيين وراءها.

وقد نشرت تلك الحسابات محتوى بمزيج من الصومالية والإنجليزية والعربية. ويبرز استخدام اللغة العربية الفصحى لكونها تختلف عما تتوقعه من المستخدمين الناطقين بالعربية، وخاصةً الشباب منهم. وعادةً ما تُستخدم اللغة العربية الفصحى في السياقات الدينية والأدبية والرسمية، ونادراً جداً ما تُستخدم في المحادثات غير الرسمية عبر الإنترنت، حيث تُفضّل اللهجات العامية.

وقالت شركات منصات التواصل الاجتماعي، إنه بإمكان الأشخاص الذين وقعوا ضحايا حسابات تنتحل شخصياتهم، الإبلاغ عن هذه الحسابات بأنفسهم. ولم تعلّق منصة "إكس" على ما إذا كانت هذه الحسابات تنتهك سياساتها أم لا.

لماذا التركيز على السودان؟

وفي سياق مراقبة هذه الحسابات، تحوّل الصوماليون من الحديث عن الحكومة الصومالية إلى الحديث عن الحرب في السودان، باستخدام الصور المعززة بالذكاء الاصطناعي والرسائل المتكررة.

ففي شهر أغسطس/آب الماضي، شاركت العديد من حسابات النساء، منشورات زعمت فيها أن الجيش السوداني "ارتكب مجزرة"، بحسب تعبيرهن، قُتل خلالها 27 مدنياً ودُفنت جثثهم في مدينة الأُبَيّض، جنوب دولة السودان.

ولم نتمكن من العثور على أصلٍ لهذا الادعاء في أي مصادر رسمية، ويبدو أنه كان يقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد تحققت بي بي سي من هذه المعلومات من خلال منظمة "بيم ريبورتس" (منظمة للتحقق من الأخبار) المستقلة التي تتخذ من السودان مقراً لها، والتي قالت إنه على الرغم من صعوبة التحقق من المعلومات على الأرض في السودان، إلا أنها لم تتمكن من العثور على أي دليل موثّق أو تقارير موثوقة لتأكيدها.

وتبدو هذه المنشورات بمثابة رواية مضادة للتقارير التي أوردتها قناة تلفزيونية سودانية مؤيدة للجيش، والتي أفادت بأن القوات الجوية السودانية دمرت طائرة تابعة للإمارات العربية المتحدة كانت تقل مرتزقة كولومبيين.

وقُتل نحو 40 شخصاً في الهجوم على مطار تسيطر عليه قوات الدعم السريع، المجموعة شبه العسكرية التي تخوض حرباً ضد الجيش السوداني منذ أبريل/ نيسان 2023.

ومن خلال مراجعة المنشور، تبين أنه تم استغلال تلك الحسابات للترويج لروايات حتى تبدو مناسبة لقوات الدعم السريع والإمارات العربية المتحدة.

ونفت الإمارات العربية المتحدة مراراً الاتهامات بتقديم الدعم لقوات الدعم السريع أو المرتزقة الأجانب الذين يقاتلون إلى جانبها.

سيدات ورجال وأطفال يجلسون في الجزء الخلفي من سيارة كارو تقل نازحين بسبب القتال في السودان.

صدر الصورة، Reuters

التعليق على الصورة، ضاعفت شبكة الحسابات المزيفة من مزاعمها بشأن مقتل مدنيين في الحرب في السودان.

من يقف وراء تلك الحسابات؟

نحن لا نعلم من هو المسؤول الحقيقي عن هذه الحسابات، في ظل وجود أدلة محدودة لتحديد هوية الأشخاص الذين يقفون وراءها.

للوهلة الأولى، يبدو أنهم يمتدحون الصومال في المقام الأول، وغالباً حكومتها كذلك، حيث إن 40 في المئة من المنشورات تذكر الصومال بشكل مباشر.

ويعتقد الدكتور جونز أنه على الرغم من صعوبة تحديد المنظمة التي تُدير الحملة، فإن هذه الحسابات تابعة للفرع الموجّه إلى الصومال، ضمن شبكة تدعم أهداف السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة وتحاول كسب تأييد الصوماليين.

كما قال جونز: "إن أسلوب العمل هو نفسه المُتبع في جميع أنحاء الشبكة، فستجد، بشكل عام، شابات جذابات من بلد معين تربطه صلة بالسياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة في المنطقة، وهذه مجموعة صومالية. لكنني رأيت (مجموعات) داعمات لموريتانيا والجزائر والمغرب أيضاً".

وفيما يتعلق بالإمارات العربية المتحدة، قال الدكتور جونز إن الحسابات تمتدحها.

وأضاف: "هناك تداخل في الاستراتيجية السياسية والاقتصادية. وتعتمد نقاط النقاش المطروحة على مصالح الإمارات في هذا البلد".

وقد نشرت الحسابات صوراً للتبرعات الغذائية التي قدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة، مصحوبةً بتعليقات مثل "الإمارات تدعم الصومال".

وقد شهدت هذه العلاقة الاقتصادية المهمة توتراً، إذ عارض بعض الصوماليين الدعم المالي الذي تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة للمناطق الصومالية المنفصلة وشبه المستقلة.

وتستثمر الإمارات العربية المتحدة في البنية التحتية والطاقة والنقل والأمن في جمهورية أرض الصومال (صومالي لاند) المعلنة من جانب واحد، وفي إقليمَيْ بونتلاند وجوبالاند شبه المستقلَّين، حيث ساعدت أيضاً في تدريب الجنود وقدمت التمويل للقتال ضد حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية.

وبحسب أليساندرو أكورسي، وهو محلل مستقل في مجال المعلومات المضللة ومتخصص في شؤون الشرق الأوسط، فمن الصعب تحميل الدول مسؤولية انتشار الحملات الداعمة لروايات السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، لأن نظام التلاعب بالنفوذ المؤيد لأبوظبي يعتمد على عدد كبير من شركات العلاقات العامة.

كما أضاف أنه "من الصعب الحصول على رد يُنسب لمصدر مباشر لأن شركات العلاقات العامة والشركات التي تُجري عمليات التأثير قد يتعاقد معها فرد خاص في كثير من الأحيان".

هذا ولم تردّ حكومتا الإمارات والصومال على أسئلتنا.

إن تحليل المحتوى وحده لا يكفي لمعرفة من يدير هذه الحسابات. كما أنه من الصعب على النساء بالفعل معرفة مَن استخدم صورهن.