أطفال نازحون في غزة

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، وفقاً للأمم المتحدة، تضرر أو دُمر أكثر من 90 في المئة من المساكن في غزة
    • Author, ليز دوسيت
    • Role, كبيرة المراسلين الدوليين

إنها لحظة مهمة في هذه الحرب المؤلمة على غزة، وهي قبل كل شيء لحظة إنسانية بامتياز، فردود الفعل العفوية الأولى تروى هذه القصة: الرقص في الظلام في ساحة الرهائن في تل أبيب، وانفجار مشاعر الفرح في منتصف الليل في شوارع غزة المُدمرة.

وفي القطاع الساحلي حيث دمرت الحرب معظم مظاهر الحياة التي عرفوها، خرج الفلسطينيون إلى الشوارع، مثل مُناديّ المدن في العصور الوسطى، ليوقظوا الناس بصيحات، من قبيل: "بشرى سارة، الحرب توقفت، تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار".

إذا سارت الأمور كما ينبغي يوم الخميس، فسيعود آخر الرهائن الإسرائيليين إلى ديارهم في غضون أيام، وسيعود مئات السجناء الفلسطينيين إلى أحبائهم. وستصمت الأسلحة في غزة، وسيتدفق المزيد من المساعدات إلى المنطقة المدمرة، ولن يعيش الفلسطينيون كل يوم خائفين من أن يكون آخر يوم في حياتهم.

لكن حتى الآن، لا تزال بعض التفاصيل، موضع نقاش. وكانت هناك معارضة شديدة لهذا الاتفاق داخل الحكومة الإسرائيلية.

ومع ذلك، فقد تنفس الناس الصعداء في جميع أنحاء هذه المنطقة، وحول العالم الذي انشغل بهذه الحرب بشغف أكثر من أي صراع آخر.

لكن هذه مجرد البداية، وليست النهاية. إنه وقف لإطلاق النار، وليس اتفاق سلام. لا تزال أصعب القضايا مطروحة على الطاولة.

هل ستوافق حماس على التخلي عن أسلحتها؟ وهل ستسحب إسرائيل قواتها في النهاية من غزة؟ وماذا عن "الأفق السياسي" الغامض المذكور في خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المكونة من 20 نقطة، والذي يترجمه الكثير من العالم على أنه إقامة دولة فلسطينية، الأمر الذي لا تزال حكومة إسرائيل ترفضه بشدة؟

والأهم من ذلك، هل سينفذ الطرفان ما يقع على عاتقيهما في هذا الاتفاق؟

هذه قضايا الغد.

يُحب الرئيس ترامب أن يُنسب إليه الفضل، وفي هذه المرة يستحقه. لقد أُعلن بالفعل عن زيارته لإسرائيل نهاية هذا الأسبوع. لم يسبق أن اتسمت المرحلة الأولى من عملية مفاوضات شاقة، مليئة بالاختراقات والفشل، بمثل هذا الحماس.

إسرائيليون في "ساحة الرهائن" في تل أبيب

صدر الصورة، EPA

التعليق على الصورة، تجمع إسرائيليون في "ساحة الرهائن" في تل أبيب، بعد انتشار نبأ التوصل لاتفاق

لكن لم يسبق لأي رئيس أمريكي أن مارس مثل هذا الضغط على الحلفاء والأعداء – والقائمة طويلة من القادة الذين حاولوا التوصل إلى اتفاق، لتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط.

أعرب آرون ديفيد ميلر، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية - والذي عمل على هذا الملف مع رؤساء جمهوريين وديمقراطيين - عن دهشته في هذه اللحظة عندما تحدث إلى بي بي سي في الساعات الأولى من يوم الخميس.

قبل أسابيع قليلة فقط، عندما أيد الرئيس ترامب إصرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على ضرورة تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية، كان من المتوقع أن تستمر حرب غزة هذه، التي تسببت في خسائر بشرية غير مسبوقة، حتى نهاية هذا العام، وربما حتى العام المقبل.

وقبل أسابيع أيضاً، عندما سألت مسؤولاً عربياً رفيع المستوى "من يملك أذناً صاغية لدى الرئيس ترامب؟"، كان الجواب "لا أحد".

ثم اتخذ نتنياهو خطوة أبعد مما ينبغي، في أوائل سبتمبر/أيلول، عندما قرر شن هجوم على قادة حماس المقيمين في دولة قطر الخليجية.

أثار ذلك غضب قطر، التي لعبت دوراً محورياً في محاولة التوسط لإنهاء هذه الأزمة. وأثار غضب الرئيس ترامب الذي يقدّر علاقته القوية ومتعددة الأوجه، بما في ذلك صفقات الاستثمار الضخمة والصداقات الشخصية الوثيقة، مع قادة قطر، وكذلك العديد من الدول العربية الأخرى.

وقد ساهم اجتماعه في نيويورك في منتصف سبتمبر/أيلول مع القادة العرب والإسلاميين في تسريع هذا الزخم، حيث ركز الزعيم الأمريكي أخيراً على إنهاء هذا الصراع.

والأمر الحاسم هو أن عائلات الرهائن الإسرائيليين نالوا أخيراً كامل اهتمامه أيضاً.

بحلول أوائل أكتوبر/تشرين الأول، كان الرئيس ترامب ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لساحة الرهائن في تل أبيب، وقد اكتظت بالناس، وتوسلوا إليه شخصياً بإلحاح لإعادة جميع الرهائن إلى ديارهم، أحياءً كانوا أم أمواتاً. وكان شعارهم الحاشد: "إما الآن وإما لا". وقد سمعه.

صبي فلسطيني يحمل كيس دقيق

صدر الصورة، Reuters

التعليق على الصورة، أسفرت الحرب عن أزمة إنسانية كارثية في قطاع غزة

لقد قيل الكثير أيضاً عن رغبة ترامب الشديدة في نيل جائزة نوبل للسلام، وهي أرفع جائزة تُمنح لصانعي السلام. وهو لا يُخفي ذلك، بل اتصل بقادة نرويغيين، بمن فيهم الأمين العام السابق لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، بشأنها. هكذا هو حال عالمنا اليوم.

وخلف كواليس محادثات وقف إطلاق النار، أحدث آخرون يعملون في الخفاء فرقاً كبيراً أيضاً. مارست قطر ومصر وتركيا ضغوطاً هائلة على حماس، مُقنعين حتى أكثر قادتها تشدداً بأن تحرير الرهائن سيُحقق مكاسب أكبر الآن من الاحتفاظ بهم. إن الاحتفاظ بهم لن يُسهم إلا في استمرار الحرب، التي أضعفت حماس بشكل كبير من جميع النواحي، حتى لو لم تُدمر الحركة.

هذه اللحظة أيضاً حلوة ومُرّة.

هناك تذمر من أن هذه المرحلة الأولى تُشبه تقريباً الخطة التي طرحها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في مايو/أيار الماضي. كم من الأرواح كان يُمكن إنقاذها، بما في ذلك أرواح الرهائن الإسرائيليين؟ وكم من معاناة الفلسطينيين كان يُمكن تجنبها، لو اجتمعت جميع الأطراف على طاولة المفاوضات العام الماضي بدلاً من هذا العام؟

ما يهم الآن هو أن حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، في ذكرى مرور عامين على اندلاعها، قد وصلت إلى نقطة تحول رئيسية. قد يتعثر (الاتفاق)، بل قد يفشل في الأشهر القادمة. سيتألم الفلسطينيون، وسط أنقاض منازلهم، بشأن المدة التي سيستغرقها بناء ما تبقى من حياتهم.

يخشى سكان الضفة الغربية المحتلة على مستقبلهم أيضاً. والسياسيون الإسرائيليون يخططون بالفعل للانتخابات المقبلة، ويتجادلون حول المراحل التالية من هذه الصفقة لضمان عدم تكرار حرب السابع من أكتوبر.

لكن المفاوضات الجادة التي طال انتظارها حول كيفية المضي قدماً - لا التراجع - قد بدأت، وهي تُحرز نجاحاً.

وهذه لحظة تستحق الاحتفال.