الجيش في مدغشقر يعلن توليه السلطة، والرئيس ينتقل إلى "مكان آمن"
صدر الصورة، Reuters
أعلنت وحدة النخبة في جيش مدغشقر "سيطرتها على السلطة في البلاد"، بعد أسابيع من الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
وجاء ذلك بعد تصويت البرلمان على عزل الرئيس أندري راجولينا، بتهمة "التقصير في أداء الواجب"، في خطوة تهزّ المشهد السياسي في الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي، وتعيد إلى الأذهان انقلاب عام 2009 الذي صعد به راجولينا نفسه إلى الحكم.
وقال الكولونيل مايكل راندريانيرينا، قائد وحدة النخبة المعروفة باسم "كابسَات" (CAPSAT)، في بيان أُذيع عبر الإذاعة الوطنية: "لقد تولّينا السلطة".
وأوضح راندريانيرينا أن الوحدة ستشكّل لجنة تضمّ ضباطاً من الجيش والدرك والشرطة الوطنية لتولي مهام الرئاسة مؤقتاً، على أن تُنشأ "حكومة مدنية" خلال الأيام المقبلة.
وأضاف: "قد تضم اللجنة في وقت لاحق مستشارين مدنيين كباراً، وهي التي ستتولى مهام الرئاسة إلى حين تشكيل حكومة انتقالية تتولى إدارة البلاد بصورة مسؤولة وتجنّبها الفوضى".
وفي أحدث تصريحاته، قال الكولونيل راندريانيرينا إن الجيش "اضطر إلى التحرك لأن لا رئيس ولا حكومة في البلاد"، مضيفاً أن "كل شيء متوقف ولا يعمل". وأكد أن الهدف من التحرك العسكري هو "إعادة النظام" و"احترام مطالب الشارع".
وفي تصريحات لاحقة للصحافة المحلية، قال راندريانيرينا إن الانتخابات "ستُجرى في غضون 18 شهراً إلى عامين"، مؤكداً أن العسكريين "سيشكلون حكومة ويتوصلون إلى توافق" مع القوى المدنية.
وأضاف أن حركة "جيل زد مادا" التي قادت التظاهرات في الشوارع "ستكون جزءاً من المرحلة المقبلة"، قائلاً: "هذا الحراك وُلد في الشارع، وعلينا احترام مطالبه".
تاريخياً، لعبت وحدة "كابسَات" دوراً محورياً في انقلاب عام 2009 الذي أطاح بالرئيس الأسبق مارك رافالومانانا، وجاء براجولينا، وكان حينها رئيس بلدية العاصمة أنتاناناريفو، إلى سدة الحكم بدعم من الجيش.
واليوم، وبعد 15 عاماً، تعود الوحدة نفسها إلى واجهة الأحداث، وهذه المرة ضد الرجل ذاته الذي كانت قد دعمته يوماً.
وجاء إعلان السيطرة العسكرية بعد دقائق فقط من تصويت الجمعية الوطنية على عزل راجولينا بأغلبية ساحقة بلغت 130 صوتاً من أصل 163 عضواً، وهو عدد يتجاوز النسبة الدستورية المطلوبة لعزله.
وأرجع النواب قرارهم إلى ما وصفوه بـ"تقصير الرئيس في أداء واجباته" و"غيابه المتكرر عن البلاد"، في حين قالت الرئاسة إن الجلسة "خالفت الدستور وخالية من أي أساس قانوني".
وقبل التصويت بساعات، حاول راجولينا إحباط المساعي البرلمانية بإصدار مرسوم يقضي بحل الجمعية الوطنية، لكن النواب مضوا في جلستهم، معتبرين أن مرسومه "باطل وغير نافذ".
صدر الصورة، AFP via Getty Images
واحتفى أعضاء المعارضة بالتصويت وسط هتافات داخل القاعة، في مشهد نادر في السياسة المدغشقرية.
وبحسب الدستور، يتعين على المحكمة الدستورية العليا أن تصادق على قرار العزل قبل أن يصبح نافذاً، إلا أن التطورات المتسارعة على الأرض، وتدخل الجيش في المشهد، يجعل مصير الإجراءات القانونية غير واضح.
غير أن الوحدة العسكرية أعلنت لاحقاً تعليق أنشطة المحكمة الدستورية، في خطوة اعتُبرت ضربة للإجراءات القانونية المتعلقة بعزل الرئيس. وقالت وسائل إعلام محلية إن هذا القرار يثير تساؤلات حول المسار الدستوري لما بعد العزل.
في الأثناء، يلف الغموض مكان الرئيس المعزول. فقد قال راجولينا، البالغ من العمر 51 عاماً، في بث مباشر على فيسبوك مساء الاثنين، إنه "يختبئ في مكان آمن" بعد زعمه أنه تعرض لـ"محاولة اغتيال" من قبل "مجموعة من العسكريين والسياسيين". ونفت منظمة "كابسات" أي تورط لها في أي خطوة من هذا القبيل.
وكان بيان صدر لاحقاً عن الرئاسة شدد على أن راجولينا "لا يزال يمارس مهامه كاملة" وأنه "يضمن احترام النظام الدستوري والاستقرار الوطني". وأضاف البيان أن "وجود قوات مسلحة مدججة أمام القصر الرئاسي يشكل عملاً واضحاً من أعمال محاولة الانقلاب". ولم يظهر الرئيس علناً منذ تلك التصريحات، ولا يزال مكانه مجهولاً.
وردت تقارير غير مؤكدة تفيد بأن الرئيس نُقل جواً إلى خارج البلاد على متن طائرة عسكرية فرنسية.
ويأتي هذا التصعيد بعد ثلاثة أسابيع من احتجاجات شعبية واسعة بدأت في العاصمة أنتاناناريفو في 25 سبتمبر/أيلول 2025، إثر موجة استياء من الانقطاعات المتكررة للمياه والكهرباء، وارتفاع تكاليف المعيشة، وانتشار البطالة والفساد.
ومع اتساع رقعة المظاهرات، انضم موظفون حكوميون ونقابيون وطلبة إلى الشوارع، مطالبين برحيل الرئيس وحكومته.
صدر الصورة، Reuters
ومع نهاية الأسبوع الماضي، خرج الوضع عن السيطرة، حين غادرت وحدات من الجيش ثكناتها وانضمت إلى المتظاهرين، وعلى رأسها الوحدة العسكرية الخاصة "كابسَات"، التي أعلنت انحيازها للشعب ودعت إلى "انتقال سلمي وشامل". وأثار ذلك الانشقاق العسكري أكبر تحدٍ لراجولينا منذ توليه الحكم عام 2018.
ومنذ إعلان الجيش تولي السلطة، خرجت حشود غفيرة إلى شوارع العاصمة في أجواء احتفالية، ملوّحة بالأعلام الوطنية ومطلقة هتافات مؤيدة للعسكريين. وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن الجنود قادوا آلياتهم المدرعة في شوارع أنتاناناريفو وسط تصفيق المواطنين وأبواق السيارات، في ما وُصف بأنه "جولة نصر" للقوات التي أطاحت بالنظام.
وقال مراسلو وكالات الأنباء إن أجواء العاصمة تغيّرت بين عشية وضحاها، إذ تحولت التظاهرات التي كانت غاضبة قبل أيام إلى مظاهرات مؤيدة للجيش، في ظل شعور شعبي بأن التغيير بات أمراً واقعاً.
يُعتبر أندري راجولينا من أبرز الشخصيات السياسية في مدغشقر خلال العقدين الماضيين.
ووُلد راجولينا عام 1974، وبدأ حياته المهنية منسقاً موسيقياً (دي جي)، قبل أن يؤسس عدداً من الشركات الإعلامية والإعلانية، ثم انتُخب رئيساً لبلدية أنتاناناريفو عام 2007.
وبعد عامين فقط، أطاح بالرئيس مارك رافالومانانا في انقلاب مدعوم من الجيش، ليصبح في الـ 34 من عمره أصغر زعيم في القارة الإفريقية آنذاك.
لكن شعبيته تراجعت سريعاً وسط اتهامات بالفساد والمحسوبية، وبقي في السلطة حتى 2014، قبل أن يعود بعد فوزه في انتخابات 2018، ثم يُعاد انتخابه في عام 2023 في انتخابات مثيرة للجدل قاطعتها المعارضة.
صدر الصورة، AFP via Getty Images
ويرى مراقبون أن جذور الأزمة الحالية تمتد إلى احتقان سياسي مزمن وتراجع الثقة في المؤسسات، فضلاً عن التدهور الاقتصادي الحاد الذي فاقم الغضب الشعبي.
وأعرب الاتحاد الإفريقي عن "قلقه العميق" إزاء التطورات الأخيرة، ودعا القوات المسلحة إلى "الامتناع عن التدخل في الشؤون السياسية"، مؤكداً رفضه "أي محاولة لتغيير السلطة بطرق غير دستورية".
أما في باريس، فقد وصف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ما يجري في مدغشقر بأنه "مقلق للغاية"، ورفض التعليق على تقارير إعلامية أفادت بأن الجيش الفرنسي نقل راجولينا بطائرة عسكرية إلى خارج البلاد، وهي معلومات لم تؤكدها أي جهة رسمية.
وفي الوقت نفسه، أعلنت الخطوط الجوية الفرنسية تمديد تعليق رحلاتها إلى مدغشقر حتى نهاية الأسبوع "بسبب تدهور الأوضاع الأمنية"، فيما تعهّد قادة الجيش بالحفاظ على النظام العام ومنع أي أعمال عنف أو انتقام سياسي.
وقال أحد كبار الضباط للصحافة المحلية: "القوات المسلحة تعمل بشكل موحّد لضمان أمن المواطنين، ولن نسمح بانزلاق البلاد إلى الفوضى."
ومع غياب الرئيس وتدخّل المؤسسة العسكرية، تبدو مدغشقر أمام مفترق طرق جديد في تاريخها السياسي.
فبينما يرحب المحتجون بما يعتبرونه "نهاية حقبة راجولينا"، يخشى آخرون أن يؤدي هذا التحوّل المفاجئ إلى فراغ سياسي قد يُغرق البلاد في دوامة جديدة من الانقلابات والانقسامات.
ويرى محللون أن تشكيل لجنة عسكرية مؤقتة – كما أعلن العقيد راندريانيرينا – لن يكون كافياً ما لم يترافق مع خطة واضحة للانتقال المدني وجدول زمني لإجراء انتخابات جديدة.
تاريخ الانقلابات العسكرية في إفريقيا
إذا نجح الحكم العسكري على السلطة في مدغشقر، فسيكون الأحدث في سلسلة انقلابات شهدتها القارة خلال السنوات الأخيرة:
• أغسطس/آب 2020 – أطاح الجيش في مالي بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا. وبعد عام، شهدت البلاد انقلاباً ثانياً أطاح بالرئيس المدني الانتقالي باه نداو.
• سبتمبر/أيلول 2021 – أطاح الجيش في غينيا بالرئيس ألفا كوندي.
• أكتوبر/تشرين الأول 2021 – أطاح الجيش في السودان بالسلطة الانتقالية التي تولت الحكم بعد الإطاحة بعمر البشير عام 2019.
• يناير/كانون الثاني 2022 – أطاح الجيش في بوركينا فاسو بالرئيس روش كابوري، ثم شهدت البلاد انقلاباً ثانياً بعد سبعة أشهر قاده الكابتن إبراهيم تراوري.
• يوليو/تموز 2023 – أطاح الجيش في النيجر بالرئيس محمد بازوم، لتنضم البلاد إلى جيرانها بوركينا فاسو ومالي الخاضعتين للحكم العسكري.
• أغسطس/آب 2023 – أطاح جنرال بريس أوليغي بالرئيس الغابوني علي بونغو أونديمبا، قبل أن يُنتخب رئيساً للبلاد في أبريل/نيسان 2024
Latest BBC Arabic
- الجيش الإسرائيلي يقول إن الصليب الأحمر تسلَّم رفات أربع رهائن، وترامب يلوح "بالعنف" لنزع سلاح حماسأعلن الجيش الإسرائيلي أن الصليب الأحمر تسلَّم رفات أربع رهائن، وتزامن ذلك مع توصية أمنية بعدم فتح معبر رفح حتى تسليم الجثامين، بينما ذكر ترامب أنه سيعمل على نزع سلاح حماس وقد يلجأ إلى العنف بهذا الخصوص إذا لزم الأمر.
- الولايات المتحدة تهاجم سفينة أخرى قبالة سواحل فنزويلانفذت الإدارة الأمريكية مؤخراً خمس ضربات على سفن تتهمها بتهريب المخدرات في المياه الدولية، ويشكك العديد من المحامين في قانونية هذا العمل العسكري.
- لبنان وسوريا: ريبة في ظل مساعٍ لفتح صفحة جديدةفي إحدى أغنياتها تقول فيروز: "إذا ما سهرنا ببيروت، منسهر بالشام" - ليست ذلك مجرد كلمات مُغناة - ولكنها تعكس واقع القرب الكبير في المسافة بين العاصمتين. رغم ذلك، تبقى الطريق بينهما غير معبدة بالكامل.
- قضية فضل شاكر من جديد أمام القضاء فماذا نعرف عنها؟من نجم الطرب العربي إلى متّهم أمام القضاء اللبناني. فضل شاكر، الفنان الذي اعتزل وغاب لسنوات داخل مخيم عين الحلوة، يسلم نفسه اليوم ليواجه الماضي وتبدأ فصول جديدة من قصته.
- تصفيات كأس العالم: قطر والسعودية إلى المونديال والحضور العربي القياسي يتعزز بتأهل 7 منتخباتبلغ المنتخبان القطري والسعودي كأس العالم لكرة القدم 2026، وذلك بعدما فاز الأول على الإمارات ومنح الثاني التعادل أمام العراق بطاقة العبور إلى مونديال الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
- قمة السلام في شرم الشيخ: "مواقف وطرائف" رصدها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعيضجت وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات عم أبرز المواقف التي وقعت في قمة شرم الشيخ، بدءاً من حضور رئيس الفيفا لمصافحة ترامب للرئيس ماكرون مروراً بمغازلة رئيسة الوزراء الإيطالية.